رماح الشمس الصفراء

الجميع يسرج خيوله وقفون متلامسين الأكتاف ملتحمين ملتحيين في صف واحد وحيد يحاولون ألا يمر من بينهم شعاع الشمس الأصفر حتى لا يسقط على شيء.
بينهم أحاديث قصيرة عابرة متطايرة تقف على آذان بعضهم طارة وتسقط في الرمال طارة وطارة تسبح على سطح البحر فيبتلعها سمك أبيض ذو لمعة معدنية يتحرك بلا موانع على ظهره وعلى وجهه ورأسي كالسيف أحيانًا. يشق الماء إلى أجزاء صغيرة ضعيفة ممزقة يحملها الهواء ويقذف بها إلى صخور صلبة مملحة ذات ملامس خشنة يتناثر أصغرها إلى عدد مهول من الأجزاء الأصغر التي تنثر على الصخور بدون إرادة لتفترسها أشعة الشمس المدببة الأطراف فترتخي وتنهار وتموت على الصخور المالحة، تصعد أرواحهم إلى السماء وتصعد وتصعد ولكنها لا تصل إلى النهاية ولا تجد مأوى فتجتمع إلى جوار بعضها في مجاميع صغيرة وتصعد أرواح أكثر إلى مسافات أعلى ولا تجد شيئا فتتجمع مجموعات إلى مجموعات وتستمر في الصعود مرة أخرى تنهار قواها لكنهم يصعدون أملاً في ملاقاة إله. يستبد بهم التعب والبرد فينكمشون ويلتصقون إلى بعض وإذ بريح عتي يقذف بهم يحاولون التشبث ببعض ولكن هناك إحساس داخلي يغمرهم أنهم يتبدلون وتشتد الرياح ويشتد التغيير يشعرون بأن طبيعتهم فجأة تكاد تتغير بل تتغير بالفعل، إنه يوم البعث إننا نبعث من جديد، أن الحياة تدب فينا وهاهي أجسادنا تعود إلينا، أن الحياة الأخرى قصيرة جدا، أنها جميلة، سنعود هذه المرة على علم لن نقذف ولن نشق ولن تطعننا أشعة الشمس بحرابها… ولكن ما هذا المكان الغريب الذى هبطنا فيه هذه ليست دنيانا، هذه ليست ديارنا، هذه مدينة غربية، إنها صفراء، وما هذه الأشياء الخضراء المنتصبة ومالها تنظر لنا هكذا والسعادة في عينيها، ماذا يحدث إن هذه الكائنات تحاول أن تفتك بنا إنها تغتصبنا.. لقد بعثنا فى مكان آخر لا نمتلك فيه أي نوع من أنواع الدراية، أين السمك الكبير المفترس الحاد أين الصخور المملحة أين رماح الشمس الصفراء أين ما نعرف.
لا نريد أن نصعد مرة أخرى، لا نريد أن نبعث مرة أخرى .. لا نريد .. لا نريد.
دونت في ١٩٩٤

Comments

Popular posts from this blog

من مذكرات الرجل الاخضر

قطيع الماعز

رئة كبيرة