اليوم الخامس

كيف نسيت أن استخرج تصريح السفر لم أفهم أبداً أي طراز أنا من الآدميين عندما يكون المطلوب منى إعداد حقائبي وجواز سفري وتصريح السفر فأنسى واحدة منهم، أنه شئ يدخل تحت قائمة صفات البلهاء.
كان من المفترض أن أسافر الخميس إلى سوريا بصحبة بهنسي وعائلته، اعددنا ترتيباتنا، شرائط لمنير وبينك فلويد وموسيقى الراي الذى يعشقها بهنسي وأوراق وأفلام وكاميرات حتى جهاز الوكمان الشهير في ذلك الوقت (منتصف التسعينيات) إشتريت له قطعة إضافية تمكننا أن نوصل سماعتنا معاً فى آنٍ واحد، اعددت كل هذا ونسيت تصريح السفر هل هناك أبله من ذلك.
هاتفت بهنسي أخبرته أني لن يتثنى لي السفر معه غداً وأني سألحق به يوم الجمعة فى حالة ما إستطعت استخراج التصريح فى نفس اليوم أما إذا تعذر علي إنهاء الإجراءات في اليوم ذاته فلن ألحق به قبل الأحد.
وظلت مشكلة التقابل فى سوريا. اتفقنا أنه سيتصل بي ليلة الخميس بعد وصوله مباشرةً ليعرف ما أستجد وإذا تعذر إتصاله سيكون إيهاب العزازي صديقنا المشترك هو حلقة الوصل، سأسافر أنا واتصل به بمجرد وصولي لإعطائه عنوان وتليفون الفندق الذى سأقيم به وهو بدوره سيترك هذه المعلومات فى مكان واضح بميدان التلفزيون (غرفة المعيشة فى بيت العزازي) كما كان يطلق عليها الزوز بعد أن منحها هذا الاسم عندما علم بوجود تمثال كبير لدراجة بأحد ميادين المملكة السعودية يدعى ميدان الدراجة، العزازي بدوره سيترك خبر لكل أفراد بيته وإيفادهم بالمطلوب منهم.
سافر بهنسي يوم الخميس واستخرجت أنا التصريح فى نفس اليوم، أمضيت أمسية الخميس بأكملها فى إنتظار اتصاله ولم يحدث أبداً، تملكتني الحيرة هل أسافر صباح الغد معتمداً على الخطة البديلة أم انتظر، حسمت الموقف قبل أن أخلد إلى النوم وحزمت حقيبتي استعداداً للرحيل فى الصباح معتماداً على الخطة البديلة، وصلت فى مساء الجمعة إلى دمشق الشام كما يطلق عليها السوريين، المطار قريب الشبه بمطار القاهرة في السبعينيات، أكثر ما كان يميزه أن ذاك الطابع البوليسي والمخابراتي المريب وكم الملصقات التي تحمل صور وعبارات تخليد للشهيد البطل باسل الأسد كما كان يطلقون عليه والذي عرفت في مرحلة لاحقة أنه مات في حادث سيارة من قرابة العام.
غادرت المطار إلي وسط المدينة مستقلاً سيارة أجرة طالباً من السائق أن يسقطني بالقرب من أكثر منطقة غنية بالفنادق الرخيصة.
حللت بأول فندق قابلني بعد أن تأكدت أن الغرفة بها هاتف وأن السعر مناسب لي. وضعت حقائبي وسارعت بالاتصال بالعزازي على أمل أن يكون الاتصال المنشود قد حدث وجائت إجابة العزازي بالنفي، تركت له عنوان واسم ورقم هاتف الفندق ثم خرجت مترجلاً بوسط دمشق اتفحص واتعرف على المدينة وجذبني الفروج المشوي الذي تعج به دمشق وكأنه الأكلة الشعبية هناك تناولت وجباتي مع باقة من السلطات التي هي أجمل بكثير من الفروج نفسه، أنهيت أمسيتي سريعاً وعدت إلى الفندق، سألت عامل الإستقبال إذا ما كان اتصل بي أحد أجاب بالنفي دخلت إلى غرفتي وخلدت للنوم متخلصاً من تعب اليوم والسفر والحيرة مؤجلاً كل شئ إلى اليوم التالي، نمت حتى وقت متأخر من الصباح معتقداً أني سأستيقظ على اتصال بهنسي ولم يحدث، نزلت إلى الشارع، حصلت على وجبة إفطار وعدت مسرعاً إلي الفندق بعد أن اتصلت بالعزازي الذي أخبرني أن أحداً لم يتصل ولم أبرح الغرفة طوال اليوم خوفاً أن يتصل بهنسي ولا يجدني فيضيع يوماً جديداً دون أن اقابله ودون أن نبدأ رحلتنا، أمضيت اليوم بأسره حبيس الغرفة ولم يتصل بهنسي وعند الحادية عشر مساءاً تأكدت أن الاتصال المنتظر لن يحدث الليلة، غادرت غرفتي إلى قلب العاصمة كانت فى هذه الساعة أغلب المحال مغلقة ما عدا شارع وحيد ملئ بالكبريهات تحركت فى الشارع الساهر ذهاباً وإياباً قبل أن أقرر أن أدخل أحد هذه الكبريهات وفى النهاية وقع الإختيار على أحدهم يدعى الوردة البيضاء وقد شدني الاسم لإرتباطه بفيلم عبد الوهاب الشهير، وجهته وصور الراقصات فى مدخله قريبة الشبه بمكان فى القاهرة اعتدنا على ارتياده فى ذلك الوقت يدعى الأريزونا فى شارع الألفي بوسط البلد بمنطقة التوفيقية، بعث هذا الشبه الطمائنينة بعض الشئ إلى قلبي مما شجعني أكثر على الدخول وكسر حاجز الخوف الذى غالباً ما يلازمني عند سفري إلى أي مكان ويمنعني من ارتياد مثل هذه الأماكن خاصةً أنى اتحرك بكامل متعلقاتي من مال وأوراق السفر، المكان كان ملئ بفتيات الليل من كل الجنسيات وكأنه أحد مكاتب الأمم المتحدة، أغلب الفتيات من شرق أوروبا، العرب منهن مغاربة وعراقيات ومصريات هذا ما ميزته في ذلك الوقت، جلست وطلبت زجاجة بيرة بعد أن تأكدت أن سعرها وما يصاحبها من طلبات جانبية مقبول لي.
المكان كان فسيح ومستطيل الشكل تقريباً، بضلعه القصير البعيد مسرح مستأثر بإضاءة المكان كله وتارك باقي المكان بضوءٍ خافت، رواد المكان كلهم من الذكور من الطبقة المتوسطة والدنيا من المجتمع لا يوجد أنثى بينهم سمة كل الأماكن الشبيهة، الفتيات مبعثرات فى المكان والجزء الأكبر منهم قرب المسرح وجزء أخر متكئ على أضلع المكان وعدد قليل منهم يجالس الرواد كان العرض مختلف نسبياً عن ما يحدث فى الأريزونا فالعرض فى الأريزونا عبارة عن قرابة أثنى عشرة وصلة للرقص الشرقي من راقصات درجة ثالثة يجمعهن القبح والسمنة وقد يتخلل البرنامج فقرة من الأكروبات التي هي ليست بأكروبات، أما فى الوردة البيضاء فكانت أغلب الفتيات على قدر من حسن الخلقة والجمال بملابس قليلة مثيرة وملونة، لكل منهن فقرة عبارة عن رقص استعراضي شبيه باستعراض التعري ولكنه تعري ناقص عن المتعارف عليه لا يتعدى وقته العشر دقائق كأنه عرض لسلعة، أمضيت ليلتي أراقب العروض المتواصلة والإتفاقات المصاحبة بين رواد المكان والفتيات محاولاً استنتاج أي الرواد سيختار أي فتاة في محاولة لإضاعة الوقت، لحقت زجاجة البيرة بزجاجة أخرى أنهيت سهرتي قرابة الرابعة صباحاً وانصرفت إلى غرفتي، لم أسأل عامل الإستقبال عند وصولي إلى الفندق عن إتصالي المنتظر.
صباح جديد متكرر يكاد يكون نفس صباح اليوم السابق نفس الشخص فى إستقبال الفندق، نفس الإفطار في نفس المكان ثم مكالمة إلى العزازي ونفس الرد من العزازي. أمضيت يومي فى الغرفة كيومي السابق وعندما قربت الساعة إلى الحادية عشر مساءاً، اتجهت مرة أخرى إلى شارعي الساهر وإلى الوردة البيضاء رأساً، دخلت إلى المكان جلست على نفس الطاولة طلبت نفس الطلبات وبدأت مهمة المراقبة.
اختلف هذا اليوم عن سابقه فقد اقتربت إحدى الفتيات مني وسألتني أنت من وين؟ أجبت مصري قالت لي بلهجة مصرية وأنا كمان من مصر وسحبت كرسي وجلست إلى جواري، بدأت الأسئلة التي غالباً ماتكن مطلقة تستوعب إلى نوع من الإجابات ثم أنهت حديثها بسؤالي عن إمكانية أن تحصل معي علي زجاجة بيرة، أجبت سريعاً طبعاً ولكنها استنتجت من سرعة ردى مدى سذاجتي وقلة خبرتي فزادت السؤال توضيح بأخباري أن زجاجة البيرة خاصتها ستكلفني أربعة أضعاف سعر زجاجتي أما إذا فضلت زجاجة شمبانيا فهي قرابة العشر أضعاف هنا فقط فهمت السؤال، وللتغلب على خجلي الناجم عن بلاهتي أجبت يعنى أنتى سايبة شارع الهرم والإخوة اللي في مصر كلهم وجاية آخر الدنيا عشان تشربي بيرة مع واحد مصري مش تغيري، بدأت عملية التشويق فقالت أن بعد كده هاخدك معايا البيت تقضي الليلة عندي، راودتني الفكرة لثواني وبددها سريعاً شكل الفتاة وحجمها فقد كانت أقبحهم تقريباً وأضخمهم وزاد على شكلها قلقي وخوفي من ارتياد منزل مجهول فى بلد مجهول بكل متعلقاتي... أحكمت قناع الوقاحة على وجهي حتى انصرفت، أمضيت أمسيتي أطوف بعيني داخل المكان أتفحص الفتيات والصفقات وأنهيت ليلتي كسابقتها، زاد عليها أني اتخذت قرار قبل نومي أنى سأتجه في الصباح الباكر إلى اللاذقية مدينة عائلة بهنسي حتى أكون أقرب إليه عندما يتصل، وفى الصباح الباكر اتجهت إلى محطة الحافلات المتجهة إلى اللاذقية بعد أن تناولت إفطاري، وصلت إلى محطة الحافلات، خلف شباك التذاكر فتاتان بمجرد أن طلبت تذكرة للاذقية انخرطا فى الضحك لم افهم ما المضحك فى سؤالي استغربت للحظة فسألتهم ما المضحك فأكملا ضحك وتمالكا أنفسهما ثم سألت أحدهم أنت مصري فأجبتها بنعم وعلمت لحظتها أن المضحك هو لهجتي المصرية، خف ذلك من توتري وبدأت فى وصلة كوميديا خفيفة لم تحتاج مني في هذه اللحظة أي موهبة لهجتي وموروثي الغزير من الأفلام والمسرحيات المصرية كان سندي، استقليت الحافلة وعلى وجهي ابتسامة خفيفة أبعدت عنى لفترة مقبولة القلق الناتج عن عدم اتصال بهنسي، الطريق إلى اللاذقية جميل سجلته كله فى الذاكرة بواسطة النافذة التي كنت اجلس ملاصق لها.
وصلت بعد قرابة الأربع ساعات، اللاذقية مدينة ساحلية جميلة تشعرك أنها مزيج بين الأسكندرية وبورسعيد، استوقفت سيارة أجرة طلبت من السائق أن يقلني إلى فندق رخيص على البحر، وقع اختياري على أحدهم كان مكون من أربعة طوابق وبجواره على بعد بنايتين مقهى ومطعم على البحر مباشرةً تأكدت من وجود تليفون قبل أن أسكن، وضعت حقائبي ونزلت لأجري اتصالي اليومي بالعزازي افادته برقم هاتفي وعنوان إقامتي الجديد بعد سؤالي اليومي التقليدي.
أمضيت يومي فى اللاذقية بلا أحداث اتحرك فى المناطق القريبة من الفندق، حصلت على وجبتي الغذاء والعشاء فى المطعم والمقهى الملاصق للفندق واتصلت بالعزازي مرة أخرى حصلت على نفس الإجابة، رجعت إلى غرفتي ناهياً الليلة الرابعة.
استيقظت فى الصباح على صورة للبحر والسفن المتجهة إلى ميناء اللاذقية، أمضيت وقت قصير فى شرفة الغرفة ثم إلى المقهى المجاور للفندق حصلت على قهوتي واتخذت قرار البحث عن بهنسي وخاصةً أنى أعرف اسم عائلة والدته السورية الأصل من العزازي فقد أخبرني أنها من عائلة تدعى جيفي التي اكتشفت فيما بعد أنه غير صحيح، بعد الحديث مع عامل المقهى عرفت أن اغلب عائلات اللاذقية لديهم فيلات وشاليهات صيفية على الشاطئ بجوار فندق ميريديان.
أنهيت قهوتي واستوقفت تاكسي شرحت له المهمة التي هو بصدد مساعدتي على إتمامها وأنه سينقلني إلى منطقة الميريديان وسيمضي معي قرابة ساعتين أو ثلاثة.
بدأت رحلة البحث، استنزفت الطريق في قص الحكاية بتفاصيلها للسائق حتى وصلنا إلى المريديان، كان لديه كل المعلومات عن بهنسي والعزازي وعن اسمي وسني ومكان ميلادي بل يعرف أيضاً سلوى المصرية فى كاباريه الوردة البيضاء، طوفنا وسط الفيلات نسأل على عائلة جيفي وفي النهاية وجدنا فعلاً أن هناك عائلة اسمها جيفي، بعد وقت قصير كنا أمام فيلا جيفي كان سكانها على البحر اوصلني أحد حراسها إليهم، رجل فى الستينيات من عمره وسيدتان لم ألاحظ سنهم سألتهم عن بهنسي لم يفهما شيئاً من كلامي. أصبت بإحباط وخيبة أمل وقررت العودة إلى الفندق وإلغاء فكرة الوصول إلى بهنسي وأن أستمتع برحلتي ووحدتي .
جلست بجوار السائق شارد طول الوقت أفكر بما أصاب بهنسي، أهو مكروه، لكني على يقين أن الأخبار السيئة تصل قبل الأخبار الطيبة دائماً لذلك هو بخير قد تكون صعوبة الإتصال وقلة الهواتف الدولية هي العائق أو أنه نسى ... جائز جداً فبهنسي طفل كبير وهذا عهدنا به وهكذا عرفناه لا شئ جديد ولكني لم أعطيه ميعاد في حديقة أنطونيادس أنا في بلد آخر لا أعرف به أحد غيره وقبل الفندق بمسافة قصيرة تخطينا دراجة بخارية بطيئة تحمل شابين، وصلت أمام الفندق وأثناء دفعي الأجرة، كانت الدراجة البخارية البطيئة قد لحقت بنا، وقفت بجوار بابي وسمعت صوت أحد الشابان يسألني بلهجة سورية بتريد محمد بهنسي، نظرت لأرى المتحدث وصرخت بأعلى صوتي يابن الوسخة ياحيوان وقفزت من الباب معانق السائل مع وابل من السب والضحك، لم يغادر السائق وقف ينظر واستنتج الحدث فسألني هذا صاحبك اللي بتدور عليه اجبته نعم مط شفته السفلى خابطاً كفيه.

دونت في ٢٠١١

Comments

  1. helwa awi...
    But there is an error: Arizona kan fi share3 3emad el din, mesh el alfi.
    El bar el kan fi share3 el alfi kan fi fondo2 Windsor. We ana bessafati ragel mo7taram, kont baroo7 el bar dah, mesh baroo7 kabarehat zayak!

    ReplyDelete
  2. ياسمسم انت غلط الاريزونا في الالفي عند حلواني الفاليرو من ميدان التوفيقيه ... وينسور ورا سنترال الالفي عشان كده انت ملخبط ... وبعدن انت كنت بتروح معايا الاريزونا

    ReplyDelete
  3. ma7assalsh ya khawaga! :-)

    ReplyDelete
  4. هتبقي راجل كبير كده وكذاب ... كنت معايا وانت اللي كنت بتنقط

    ReplyDelete
  5. كان نفسي أقابلكم.. مع أني شاكك أن أنا اللي كنت راكب مع بهنسي ع الموتوسيكل!

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

من مذكرات الرجل الاخضر

قطيع الماعز

رئة كبيرة