الكلب الشجاع

مررت على احمد عبد الوهاب فى بيته الكائن بشارع صغير متفرع من شارع الاقبال بمنطقة فى الاسكندرية تدعى السراى فى ليلة ذات جو ربيعي مائل الى البرودة.
مدخل بيت احمد ملقى فى الجانب الايسر من سلم البناية المؤدى الى الادوار العليا وبين السلم ومدخل البيت يوجد باب خشبي حقير مفتوح طول الوقت على فراغ يحاوط المبنى ويصل الى النافذة الموجودة فى غرفة احمد التي غالباً ماتكون هي مدخلنا الى غرفته مباشرة متجاهلين باب المنزل الذى يحتم قطع غرفة الصالون والسفرة وردها صغير مجتنبين الخضوع الى كشف هيئة من قبل والدته التي غالباً ما تكون فى الطريق الى غرفته .
فى تلك الليلة اخترقت النافذة مباشرة الى قلب الغرفة قابلني احمد برفع حاجبين مع توسيع عيناه الاثنتين كعادته كناية عن الترحاب والمفاجأة والسعادة كلهم فى آن واحد.
غرفة احمد عبارة عن دولاب مواجه للحائط المثقوب بالنافذة وسرير على يمينها على نفس الحائط ومكتب وجهه ملاصق لحائط يسار باب الغرفة وعمودي علي حائط السرير وفى الحائط المقابل لباب الغرفة والمكتب توجد اريكة بين السرير والدولاب.
جلست على طرف سريره كعادتي وهو على مكتبه الملاصق للحائط كان يرسم ويلوث مجموعة من الورق الابيض تركهم بمجرد وصولي والتف عاطياً ظهره للمكتب ليكون وجهه لي ليبدأ فقره في الغالب لا يجيدها وهى الترحاب والحديث التي تدرج تحت واجب كسر الصمت معتمد انى سأتم انا هذه الفقرة لما هو معلوم عنى انى كثير الكلام ولما هو معلوم عنه انه صامت.
مكثنا معا فتره قصيره او طويله لم اعد اتذكر.
فى هذه الفترة من حياتنا كنا نمضى ساعات طويلة جدا بلا فعل كانت الجمل والاحاديث التي تدور بيننا طويلة او قصيرة مهمة أو تافهة هي اكثر الاشياء امتاعاً لنا وهى الفعل الاسمى. ظللت اتكلم اغلب الوقت وهو مستمع طوال الوقت تقريباً، قطع حديثي بعد فتره ليست قصيره بعبارة تشرب شاي، نطقت بالايجاب نهض خارجاً من غرفته وعاد بعد دقائق قليلة حاملاً الاكواب شربنها ونحن نقوم بدورينا انا الكلام وهو الاستماع وبين الحين والاخر يلتف ليكون مواجه للمكتب ليكمل رسمه الذى توقف عنه عند وصولي ثم يعود مره اخرى عاطياً وجهه لي ظللنا على هذا الحال الى ان خرج عن صمته المعتاد قائلا ماتيجي نروح نشرب قهوة على عصفور.
عصفور مقهي على يسار مدخل شارع خالد ابن الوليد من جهه الترام عبارة عن مكان ملئ بالطاولات الخشبية المنهكة والمقاعد المهلهلة فى الخلاء دون جدران أو سقف، فى احد جوانبها نصبة الشاي والمشروبات وعامل الشيشة.
اجبت بالموافقة وفى ثواني اطفئ احمد نور الغرفة وخرجنا سويا من غرفته مخترقين وسط المنزل وانا قلق وحرج ان اقابل احد والديه وانا فى طريقي الى باب المنزل.
سرنا بخطوه متعجلة وهى صفة تجمعنا الى مقهى عصفور انتصفنا على طاوله تكاد تكون الوحيدة الفارغة فى وسط حشد من مدخنين الشيش ورواد المكان. دخل علينا سائل الطلبات دون ان ينبث بكلمة نظر فى وجهينا نطقت مسرعاً قهوة زيادة واحمد بدوره نطق ومضبوط، تلاشى مباشرة الرجل بعد ان اصدرنا له الامر صارخاً وهو يتحرك وسط رواد المقهى بحركات اكروباتية واحد زيادة واحد مضبوط.
مددت رجلي على اخرهما راميا ظهري الى الخلف وانا اراقب سائل الطلبات وهو يختفى وسط الحشد اشعلت سيجارة ونفس الفعل من احمد دقائق قليلة من الصمت قطعها احمد قائلا شجاع قوى الكلب ده مشيراً الى كلب جالس فى سكون تام وسط الحشد والصخب.
تأملت انا الكلب لثواني ولم افهم ماهي الشجاعة فى هذا الكلب البلدي المسلول المنهك ولم يسفر تفحصي له عن شئ يؤكد صفة الشجاعة التي منحها صديقي له.
لم يسلم عبد الوهاب من سخريتي منه ومن كلبه الشجاع وهو بدوره مستقبل سخريتي بضحك متواصل كعادته.
وانهيت فقرة السخرية بسؤاله عن سبب نيشان الشجاعة الذى منحه للكلب… فرد على حاول ان تتخيل نفسك انك انت الى على الارض وكل اللي على الكراسي دول كلاب سكت لفترة قصيرة محاولًا تخيل الصورة التي ارسلها احمد الى ذهني ثم انفجرت فى الضحك قائلاً معاك حق.

دونت في ٢٠١١

Comments

  1. جامدة القصة دي واجمد مافيها ان انت اللي حاكيها

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

من مذكرات الرجل الاخضر

قطيع الماعز

رئة كبيرة