ماتت

ماتت منذ ثلاث ساعات... مازالت فى سريرها بنفس ملابسها بجوارها أسطوانة الأكسجين كما هي، يمينها صف عريض من الأدوية، مداسها في الأرض تحت قدميها كما هو لم يتغير شيء فى حجرتها منذ أكثر من أسبوع، التغيير الوحيد أنها بلا حياة.
خارج غرفتها اجتمعنا نحن أبنائها وآخرون شرعنا فى كتابة نعيها نسيناها بالداخل كأنها تنام نوم قصير وستلحق بنا، احضرنا مجموعة من الجرائد القديمة نرى ونتصفح كيف يصيغون هذا ما يسمى بالنعي.
من يُكتب قبل من أين توضع الآية وأين يوضع اسمها، ماذا يكتب قبله، هل سنضع اسماء شركاتنا بعد اسمائنا، هل سنضع اسماء ابنائنا وكل واحد منا يدور داخله هل هذا يكفي ليميزني من يقرأ هذه الأسطر... يقوم أحد أخواتها يسأل الأخوة يأتون أولاً أم الأبناء يرد أحد الأبناء.. الأبناء أكيد يصمت كل منهم يتنفسون فى خفاء ليحقق كل منهم أغراضه التي تجعله معلوم واضحاً غير قابل الخلط فيه.
تخرج هي من غرفتها لا يراها أحد تدور بيننا وتجلس بيننا دموعها تملأها ماذا تصنعون ألا تروني، تنظر فى وجه واحدٍ واحدٍ، تبحث عن حزنه، عن دمعة في عينه لا تجدها، تجدهم منهمكون …تهز أكتافهم تسألهم هل تفهمون هل تعلمون لن يراني أحدكم مرة أخرى لن يسمع صوتي لن يأكل من أكلي لن أنتظركم فى الشرفة لن يفرح لكم أحد لن يحزن لكم أحد لن يحبكم بعدي أحد ماذا تفعلون ما هذا الذي أخذكم مني، ما هذه الأسطر التي تهتمون بها، إني مازلت هنا.. ماذا ستفعل لكم هذه الأسطر.،أنا سأخرج من هذا البيت بعد ساعات وستظل جرائدكم بأسطرها عندكم هل ستعوضكم عني، هل ستحل محلي.
انعموا بها ضعوها فى إطارات خشبية فى خزائنكم، اقرأوها لأولادكم.. ولكن الأكيد أنكم ستستيقظوا بعد فترة قصيرة ليجد كل منكم ثقب أسود فى قلبه لا يملأه أحد لا يملأه شيء تركته أنا فيكم لتموتوا به.

دونت فى ٢٠٠٩

Comments

Post a Comment

Popular posts from this blog

من مذكرات الرجل الاخضر

قطيع الماعز

رئة كبيرة